تحميل كتاب تعاليم المتصوفين pdf لـ حضرة عنايت خان

 

9e1ab 1847عنوان الكتاب: تعاليم المتصوفين

المؤلف: حضرة عنايت خان Hazrat Inayat Khan


المترجم / المحقق: إبراهيم استنبولي


الناشر: دار الفرقد 


الطبعة: الثانية 2008 م 


عدد الصفحات: 303



حول الكتاب:

حضرة عنايت خان – واحد من أهم ممثلي وأتباع التقاليد الروحية في المدرسة الصوفية الشرقية. ولد حضرة عنايت خان في مدينة Barudaمن مقاطعة كوجارات في الهند وذلك في 5 تموز من عام 1882. جدُّه، مَوْلى باكش Maula Bakshكان موسيقياً معروفاً لدى القصر، وهو الذي وضع نظام النوتات في الموسيقى الهندية الكلاسيكية وأسس في مدينة بورودا مدرسة موسيقية لا تزال قائمة إلى الآن، حيث يتم فيها تعليم الموسيقى الهندية الكلاسيكية. والد عنايت أيضاً كان عازفاً، ولهذا يصبح واضحاً أن الطفل قد تربى منذ نعومة أظفاره في أجواء الموسيقى، التي ملأت حياته. لكن بالإضافة للموسيقى التي كانت ممارستها واجباً على عائلات الموسيقيين المقيمين لدى القصر، فإن عنايت تعلم الشعر أيضاً. ينحدر عنايت من عائلة مسلمة، وكان منذ الصغر يقيم الأوقات الخمسة للصلاة بانتظام إلى جانب الكبار. في سن التاسعة تلقى عنايت من خاغفارا – مهراجا مدينة بورودا – كنوع من المكافأة عِقداً ومنحة لقاء ترتيله الأناشيد الدينية.
    راح الولد يثابر على دروسه وتعلُّمه، وقد أظهر فهماً عميقا للعالم غير مألوف عند من في مثل عمره، وأكثر ما اجتذب اهتمامه الفلسفة والدين. استمر الأمر على هذا المنوال حتى سن الثامنة عشرة، حين بدأ يقوم برحلات في جميع أنحاء الهند وكان يقدم أثناءها الحفلات. وخلال هذه التنقلات تمكن كموسيقار وكمطرب من أن يبلغ درجة عالية من الشهرة، التي يدور الرأس عادة منهت. فقد منحه الملك نظام سلطان حيدر آباد لقب ” تانسن الجديد New Tansen” تيمناً باسم الروحاني والمطرب العظيم، الذي عاش قبل ذلك الحين ببضعة قرون في الهند. وفي شمال الهند نال عنايت لقب ”نجمة الصباح لنهضة الموسيقى”.
  ولكن، إلى جانب الموسيقى راح أثناء ترحاله يفتش عن وسيلة للتعرف والحديث مع الحكماء والفلاسفة، الذين كانت أعدادهم في الهند تلك الأيام كثيرة، لدرجة أنهم كانوا يسرحون على جوانب الطرق. لقد كانوا أشخاصا من مختلف الديانات: من المسلمين، السيخ، الهندوس، البوذيين. كانت الأمور تشير إلى أن مصير عنايت هو أن يكون أهم موسيقار في كل الهند؛ لكن يجذبه ذلك اللغز الخفي، الذي يقوم في أساس كل الكون. وفي يوم من الأيام، كما روى فيما بعد عنايت خان نفسه، حدث ما يلي: بينما كان هو مُستغرِقاً في الصلاة وقد مضى عليه فيها عدة ساعات، سمع عند الفجر بوضوح صوت الفقير Fakir، الذي راح يوقظ الناس داعياً إياهم إلى الصلاة: ” قم، أيها الإنسان، من نومك العميق، أنت لا تعرف أن الموت يتربص بك في كل لحظة؛ أنت لا تكترث كم هو ثقيل الحمل الذي قرّرتَ حمله، وكم هو طويل الدرب المقرر لك. انهض، أيها الإنسان، لأنه قريبا جداً ستشرق الشمس”. لقد أثرت في عنايت خان كلمات تلك الأغنية لدرجة أن الدموع سالت من عينيه، وعندها أدرك أنه ليس هناك من مجد دنيوي – الذي يأتي ويذهب – يمكن مقارنته مع ذلك الخلود، الذي يوجد خلف حدود فهمنا، وأن المتع والملذات، النجاح في حقل الغناء والموسيقى لا يفيد في إنقاذ الروح.
    لقد قلب ذاك اليوم حياته رأساً على عقب، إذ بدأ يستيقظ فيه المتصوف والحكيم، وراحت الموسيقى تتراجع إلى المرتبة الثانية؛ بالرغم من أنه ظلَّ حتى نهاية عمره يعيش في الموسيقى، إذ فيها كان يتوجه إلى الله، ولكنه مع ذلك، فقد صار يومها قبل كل شيء الإنسان، الذي يقف على طريق البحث عن الحقيقة. وقد كان الصوفيون هم أكثر من أثار اهتمامه من بين آلاف التيارات الدينية، التي كانت منتشرة في الهند؛ لقد اعجبه تواضعهم – من ناحية ، وصراحتهم، من ناحية ثانية. إذا كان الإسلام الرسمي لا يحبذ الموسيقى، فإن المتصوفين يستخدمونها بشكل دقيق خلال لقاءاتهم. فالموسيقى عندهم تعتبر وسيلة للوصول بالنفس إلى حالة الدهشة الإلهية، طريقة للتخلي عن الازدواجية، للتقرب إلى الله، و”ملامسته”، للتخلي عن “الأنا”. هذه الحالة تدعى ”الوجد”، أو الهّول. لقد سبق لعنايت أن جرب حالة الوجد الإلهي تلك، والتي تحل بالإنسان الغارق في بحر من الأصوات الرائعة. وفي يوم من الأيام رأى حلماً: كان هو حاضراً في اجتماع موسيقي، في وسط صوفيين طاهرين عظام رحلوا عن الدنيا منذ زمن بعيد، حيث كان جميع الحاضرين ينشدون: ”الله أكبر !” – “الله أكبر”. وعندما استيقظ، استمر هو في سماع تلك الموسيقى بوضوح، كما في المنام، وتلك الكلمات: ” الله أكبر!“. هكذا بدا دخوله إلى جوهر الصوفية. راح عنايت يتقرب من أوساط الصوفيين في حيدر آباد. فراحت تحدث معه عجائب تعتبر في التصوف – كما بالمناسبة في الكثير من الديانات – من علامات الأنبياء، الذين يسيرون على الطريق القويم. من المعروف، أنه يمكن للصوفي أن يبلغ أعلى درجات الكمال في حال كان لديه مرشد فقط. من خلال المجاهدة. الرياضة والصمت كثيرا ما راح يشاهد بنظره الداخلي وجه شيخ ابيض اللحية، دون أن يعرف له اسماً ودون أن يكون قد رآه من قبل، وجه يشعّ بالنور؛ ويتحول هذا إلى لغز لا يجد له حلاً. وفي أحد الأيام سأل أحد المعلمين الذين يكن لهم الاحترام عن تفسير لما رآه في حلمه، فقال له المعلّم:” هذا الحلم، على الأرجح، هو علامة على دخولك أخوية جيشتي: العبارة، التي تسمعها – هذا صوت الحقيقة، أما الوجه، غالباً، هو روح معلمك”. (للتوضيح، إن الاجتماعات الموسيقية-سماع- كانت تجري في الهند، بشكل رئيسي، في أخوية جيشتي).
    بدأ عنايت خان منذ تلك اللحظة البحث عن الهداية. لكن المعلمين المحليين، لأسباب غامضة، رفضوا قبوله تلميذاً لديهم. فيما بعد فقط اتضح أنهم قد رأوا في حينه لدى ذلك الفتى علامات القديس وروحاني عظيم. وهكذا، بينما كان عنايت يجلس في أحد الأيام في منزل صديق له، أيضاً متصوف، وهما يتجاذبان الحديث، وإذ بصاحب البيت يضطرب فجأة، ثم نهض وراح يرتب الغرفة على عجل ويضع الوسادة في المكان المخصص للضيوف المحترمين. بعد قليل من الوقت دخل إلى الغرفة شخص أبهرت رؤيته عنايت، خصوصاً وجهه- لقد كان نفس الوجه، الذي كان يتردد دائماً في أحلام عنايت. بعد أن نظر إلى جميع الحضور، توقفت نظرة الشيخ على عنايت وسأل صاحب البيت: مَن هذا الفتى؟”. أجاب صاحب البيت أن الفتى هو عازف موسيقى، وأنه يهتم بالتصوف ولكنه يبحث منذ نصف سنة عن هداية دون أن يتمكن من الحصول عليها. عندئذ استدار الشيخ إلى عنايت خان واقترح عليه الدخول في حلقة تلامذته على الفور. وقد كان اسم المعلم الشيخ سعيد محمد مدني، الذي كان يعود بجذوره إلى عائلة الأسياد – أحفاد النبي محمد ( عليه السلام !)؛ هكذا صار هو المرشد أي المعلم بالنسبة لحضرة عنايت خان.
     فيما بعد أشار عنايت خان إلى أن الدرب، التي قادته إلى النور، لم يتمكن منها بفضل تحليلاته الخاصة وحججه التي اكتشفها بنفسه وعن طريق قراءة الكتب فقط، إنما هو من خلال الانضمام إلى الهداية مع الطرق التي تبدأ في أعماق القرون من روحاني إلى آخر، استطاع الحصول على الدافع، الذي منحه الفهم الوحيد الصحيح والممكن للعالم.
     كانت نجاحاته أثناء التعلم مذهلة، وقد تم قبوله في أربع أخويات وهو لم يزل فتياً، وهي: التشبشتي، النقشبندية، القادري والسهروردي،- وهذا بحد ذاته أمر نادر الحصول. في أحد الأيام، وبعد سنوات من التعليم والصداقة، دعاه الشيخ مدني إليه، وأثناء حديثهما على انفراد، قال الكلمات التالية:” هيا انطلق، يا طفلي، نحو العالم، وقم بتوحيد الشرق والغرب بواسطة هارمونيا موسيقاك، قم بنشر الحكمة الصوفية، لأنك موهوب من الله الرؤوف الرحيم”. بدءاً من تلك اللحظة، واستجابة لإرادة مرشده، تحول عنايت خان إلى حامل ” الرسالة الصوفية” – رسالة عن حرية الروح. في عام 1910 غادر الهند ليبدأ ترحاله، حيث يلقي محاضرات ويقوم بحفلات في أمريكا وأوروبا، كما يزور روسيا. ليعود إلى الهند فقط في عام 1926، وفي السادس من شباط 1927، في دلهي، يترك هذا العالم المادي، تاركا بعده إرثا يتألف من ثلاثين مجلداً، مع أشعار، مسرحيات، وتفسيرات لآراء دينية، روحانية وفلسفية تتضمن أجوبة على الكثير من الأسئلة، التي تهم الناس.
     ما الغاية من ” الرسالة ” ولماذا تظهر هذه الرسالة؟ كان عنايت خان يكرر أنه عندما يجري خرق القانون وتتراجع العدالة، فإنه يظهر في الأرض رسول، وهذا الرسول يحمل معه الكلمة، وهذه الكلمة – كما النور، الذي يملأ الهلال. لم يكن عنايت خان يقصد نفسه بذلك القول، بل الرسل العظام: موسى، زرادشت، بوذا، عيسى ومحمد. إن هؤلاء قد جاؤوا برسالات من أجل شعوب وحقب زمنية كاملة، بل هم لا زالوا كذلك إلى اليوم. إن التاريخ يتكرر، ولكل مرحلة زمنية معينة، لكل بلد يوجد رسول خاص، حامل الحقيقة. بالتأكيد، إن الروح، وهي تتظاهر في هذا العالم المادي، إنما تسعى إلى الطهارة، إنها تبحث عن تلك الطهارة بهدف أن تترجم ذاتها إلى واقع. والروح تختار حاملها بنفسها وتقوده على طريقها الخاصة. والرب قد اختار عنايت لأن، على الأرجح، عنايت قد فضل الله على كل العالم، كما فعل ذلك زرادشت، عيسى ومحمد.
    كما سبق وذكرنا، إن عنايت خان توفي في عام 1927، وقبره موجود في دلهي، في حي حضرة نظام الدين. في كل صباح يحمل إلى هناك وروداً حمراء أولئك الذين وقعت في قلوبهم كلمات عنايت خان عن بلوغ الأعلى :” أنا لا أجرؤ على التفكير بأن أرفع عيني، لكي أدرك صورتك المنيرة. إنني أجلس بخشوع عند بحيرة قلبي وأتأمل خيالك فيها”.
   وكما أسلفنا، لقد ترك عنايت خان ثلاثين مجلداً ونيف في الشعر، المسرح والموسيقى، والكثير من المحاضرات. توقف عن الكتابة في يوم ما، لكن تلامذته، وقد عرفوا قيمة ما ينطق به، راجوا يدوَّنون كلماته. لا زال هناك الكثير مما يتوجب القيام به من دراسة وبحث لكل ما يتعلق بعنايت خان وبـ ”رسالته”، التي كانت تهدف بشكل رئيسي إلى خلق التناغم والهارمونيا بين مختلف الطبقات والأديان، دون أن يعني ذلك المساواة بينها إطلاقا. يكمن الفضل الأكبر لعنايات خان في أنه أدخل العالم الغربي تلك المنظومة الفلسفية، التي لم تكن فيما مضى سهلة المنال إلا للمسلمين. فقد أوجد أسلوباً لتغيير طريقة تقديم الأفكار الصوفية إلى العالم الغربي.
    بالتحديد، لقد فعل هو ما سبق وفعله من قبله الأنبياء في الديانات العالمية : بودهيهارما جلب البوذية إلى التيبت ومن الهند إلى الصين، والرسل المسيحيون نشروا تعاليم المسيح في أوروبا والهند. وإن نقل الأفكار من بيئة ثقافية معينة إلى أخرى لهو علم صعب يفوق طاقة العقل، ولذلك فإن ما قام به عنايت خان – ناقلا أفكار الصوفية من الشرق إلى الغرب – لا يعادله ثمن. إن الحركة الصوفية، التي سارت خلف أفكار عنايت خان، لا تضع نصب عينيها تحويل العالم بأسره إلى معتنقين للصوفية. بل الهدف هو أن يتوحد الناس، الذين يريدون تعلّم كيفية إدراك الله وكيفية العمل لأجله. كيف العمل من أجل إدراك الذات والعالم، الذي قُدَّر للإنسان العيش فيه. كيف وأين يجب البحث عن الحقيقة.
    إنه لأمر معبر أن عنايت خان كان يحب أن يردد أبيات من القصيدة الصوفية المعروفة، التي تكشف لنا الوجه الداخلي للبحث عمن صار العطش الروحي إليه لا يُحتمل :
بحثتُ، لكني لم أستطع أن أجدك.
ناديتك بصوت عال، وأنا واقف على المئذنة.
قرعت جرساً نحاسياً منذ شروق الشمس وحتى غروبها.
سبحت في نهر الغانغ، لكن سدى.
عدتُ من الكعبة خائباً.
بحثت عنك في الأرض،
بحثت عنك في السماوات، أيها المعشوق.
وفي النهاية، وجدتك مختبئاً، كما الدرة، في محارة قلبي.
 

تحميل الكتاب

 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *