تحميل كتاب تحقيق في الذهن البشري pdf لـ دايفد هيوم

حول الكتاب
لا ينشد هيوم في عمليته التحليلية للذهن البشري هذه سهولة ولا تبسيطاً، ولا يروم إنقطاعاً عن تقليد تفكري للفلسفة، ليحوّل التفكير إلى رتابة تطبيق لقواعد إجرائية، أو يحطّه إلى إبتذال الأغراض والمشاغل؛ وإنما يرتسم هيوم في مشروعه هذا نقل للفلسفة عن الميتافيزيقا.
وتتحقق هذه الحملة كونها تحليلية للذهن البشري، يطيق بها علم الطبيعة الإنسانية بما هو علم أول فروضه نهائيّةُ هذه الطبيعة، بل أن مطلوب هذه التحليلية فيما يصرح به هيوم؛ أمر غير ميسور؛ فمعرفة الطبيعة الإنسانية تقتضي نبذ الوهم الميتا فيزيقي، وهم القدرة على النفاذ إلى “موضوعات مستغلقة على الذهن إستغلاقاً”، فضلاً عن وهم العلمية.

وليس ذلك متاح إلا بــ “تقصي طبيعة الذهن البشري، لبيان ومن خلال تحليل دقيق لقواه وطاقاته، أنه ليس معدّاً للخوض في مثل هذه الموضوعات العصبية والمستغلقة”، إن معرفة الطبيعة الإنسانية، أي إنشاء علم الطبيعة البشرية، هو وقبل كل شيء، وعلى نحو رئيسي، نقد لا يمكنه أن يقوم إلا تحليل قوى الذهن، وإمتدادها الطبيعي، ولكنّ علم الطبيعة الإنسانية هو من جهة ثانية، علم يراجع علم الفلك، ويتخذ منه أحداثية يقيس بها مدى تقدمه.

وعلى ذلك؛ فقد ظلّ الفلكيون طويلاً يكتفون بالإستدلال، إنطلاقاً من (ملاحظة) الظواهر، على الحركات الحقيقية التي للأجسام السماوية وعلى ننطاقها ومقاديرها، حتى طلع عليهم أخيراً فيلسوف بدا أنه توصل بأوفق البراهين إلى تحديد القوانين والقوى التي تسيّر دورات الأفلاك وتوجهها.

ولقد تم ما يشبه ذلك في أجزاء أخرى من (معرفة) الطبيعة، وليس ثمة ما يبرر اليأس من نجاح مماثل لتحقيقاتنا في قوى الذهن وبنيته إذا ما نحن تابعنا هذه التحقيقات بقدر مماثل من الكفاءة ومن الحذر.

إن أنموذج الفلك عند هيوم ليس أنموذجاً إلا على قدر نجاحه في تحديد قوانين حركة الأجسام السماوية؛ أي في توحيده ظواهر حركتها (الكثيرة)، ضمن مبدأ أو مبادئ عامة، ولذلك كان غرض التحقيق (أي التحقيق في الذهن البشري)؛ الكشف عن خفي الموارد والمبادئ التي تحرك الذهن الإنساني في عملياته، ولكن تحقيق هذا الغرض لا تيسير إلا بترك منطق الظواهر بما هو منطق ملاحظة، أي منطق تسجيل لكثرة المتنوعة من أجل منطق يربطها بمبدأ عام ومشترك، فضلاً عن ربط بعضها بالبعض الآخر، وتنظيمها والتمييز بينها.

هكذا تعطي الجغرافيا الفلكية أنموذج “الجغرافيا الذهنية”، وتنزلها بمقام المشهد الجديد، أي بمقام الفضاء الجديد للتفكير: هذا الفضاء هو فضاء حركات تكتسب جدّتها من مرجعية الجغرافيا التي تُطيف بها: هي فصل وتمييز وتحديد للإمتداد، وتوحيد تحت مبدأ عام.

هكذا تتكاتف في كتاب التحقيق وتتعاضد إيماءتان متجاذبتان متصاديتان: نقد الميتافيزقا، وتحليل الذهن الإنساني، وعلى ذلك فقد حاول هيوم ومن خلال كتابه هذا وكما يقول: “حاولنا في هذا التحقيق الذي نعرض، أن نلقي بعض الضوء على موضوعات ظل ما فيها من عدم اليقين يثبط إلى اليوم عزم الحكماء، وما فيها من الغموض يحبط الجهلة، سنكون سعداء لو تمكنّا من توحيد ما يفصل بين مختلف أنواع الفلسفة، لنوفق بين عمق التحقيق ووضوحه، وبين الحقيقة والجدّة”.

وإذا كان هيوم قد أنجز عملاً إبداعياً في عمليته التجريبية في لحقيقة هذا في الذهن البشري معبراً عن هذه التجربة بلغته، فإن العمل المقابل إبداعاً هو نقله من لغته إلى لغة أخرى، لذا فقد كان على المترجم، وكما يقول، أن يعرب عن هذا المعجم الهيرمي، ومن ورائه المعجم التجريبي، إعراباً يكون به سياق غير مغلّط، وإتساق محيل على الشيء الذي يعبر عنه قدر مساوقته لعبقرية اللغة التي ينطق بها.

نبذة الناشر:
“…يظهر إذاً أنَّ الطبيعةَ قد استصفت من أخلاط الحياة مزيجاً هو أنسبها إلى بني الإنسان، وأنها قد أسَرَّت إليهم مُنذرةً ألا بسترسلوا إلى أيٍّ من نوازعهم استرسالا، فيقعدوا منه عُجزاً عن غيره من المشاغل والمباهج. تقول لهم: أطلِقوا ما شئتم العنان لهُيامكم بالعلم ولكن اجعلوا علمكم إنشانياً يمكنه التعلّق مباشرةً بالعمل وبالمجتمع. ألا قد حرّمْتُ عليكم كل تفكيرٍ مستغلقٍ (على الناس) وكلَّ بحثٍ موغلٍ سحيقٍ؛ لأُسلِّطنَّ منهما شرَّ العقاب (على من لا يسمع منكم) بما يسوقانه عليكم من وُجوم السُّويداء، وبما يجرّانكم إليه من الرَّيبة التي لا تنتهي، وبما ستُستقبل به اكتشافاتكم المزعومة من البرود عندما تنشرونها. يا أيها الإنسان كُنْ فيلسوفاً. ولكن، عبر كامل فلسفتك تلك، ابقَ إنساناً”.

مناقشة الكتاب    تحميل الكتاب    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *