تحميل كتاب عيناك قدري pdf لـ غادة السمان

<strong>حول الكتاب </strong>
“تخرج من المكتب دون أن تودع زميلها في الغرفة، لا يرفع رأسه إليها: لقد اعتاد ذلك منها، عامل المصعد يفتح لها الباب مرحباً، لا تنتبه لوجوده، يتوقف المصعد، يفتح بابه، تخرج، لا تنسى التأكد من عنوان سلوى قبل أن تضيع في زحمة الشارع، تحاول أن تتسلى عن خواطرها بمراقبة العابرين.
الوجوه كلها متشابهة، كلها تحمل تلقها وخيبتها وتمضي إلى مكان ما… تتغير الملامح والألوان… يشدّها جميعاً خيط بهم من الحسرة والخيبة… كأنما لا ترى إلا نفسها في كل شيء… وعينا عماد ترصدانها، تلاحقانها… تثيران حنينها إلى رائحته وشبابه… شخصيته المثقفة الطموح… لن الشمس الإخلال وجوده… ترتعد… إنه برد الشتاء بلا ريب… يدبّ في شريط المخازن الطويل ويتغلغل في ذرات بردى المتعبة حيث تمر، ويتكدس في أعماقها ثم يطفو عند أناملها بزرقته المريضة… تسرع في مشيئها، تخلف بدرى متجهة نحو محطة الحجاز لتمتطي إحدى السيارات العامة… ساعة الحجاز تطل عليها كإمرأة مصلوبة في صدر الشارع كأنها سيزيف المدينة… عقرباها يكادان أن يشيرا إلى الثامنة… نظراتها قد تسمرت بها بينما هي تسير نحوها كدمية متحركة عُتّبئت مسنناتها حديثاً… يخيل إليها أن تسمع دقاتها… أبداً تدور مثلها… الساعة السابعة تخرج إلى العمل… الثالثة ظهراً تأكل… الخامسة… تخرج… لا جديد… هي لا تملك إلا أن تعمل… الساعة لا تملك إلا أن تدور… دقة واحدة… دقتين… ثلاثاً… أربعاً… ثمان… لا تبدع شيئاً… يكاد العقربان يشيران إلى الثامنة تماماً… لو تحدث معجزة مرة واحدة… لو تعول الساعة برداً… لو تهدأ لحظة وتستسلم عقاربها لأكداس صقيع الشتاء… لو تنفجر… تدق عشرين دقة… ألف دقة… لو تتخلى عن آليتها الذليلة الخنوع وتصرخ: “أنا ممتعة… سئمت عقاري صريرها… لن أدق الليلة ثماني دقات… افعلوا ما تشاؤون”، ويتجمع حولها رجل يخون زوجته وإمرأة تشتم فتاة بادلت حبيبها السابق حباً بحب، ورجال غاضبون لأن زوجاتهم لم يلون ذكوراً، وعوانس وحرّاس يسرقون عند مطلع الفجر بعد أن تنتهي مهمتهم… يتجمعون جميعاً ويرجمون الساعة بينما ينهار زجاجها تحت الأقدام… لا مفر… درب خلاصها لم يولد… الساعة تدق… تمزق أعصابها… تعد الدقات بحرص وحرقة عجيبة: دقة… اثنتين… عينا عماد تضحكان بسخرية… الأستاذة طلعت! السيدة طلعت… خمساً… ستاً… دخان النرجيلة… يتفجر في صدرها… سبعاً… أبواق السيارات تقهقه ساخرة… ثماني خرست الساعة… تسرع في سيرها إلى ذر سلوى… ستنسى… ستنغمس في عملها… لم تعد تفكر في شيء…”.

عندما تطوف عيناك في عالم غادة السمان القصصي، تصبح جزءاً من كينونتها القصصية… وتصبح جزءاً من المشاهد حين نتماهى مع المشاهد التي تحس أنك على مقربة منها فترى في قصتها هذه “عيناك قدري” ساعة الحجاز وتسير مع الأستاذة طلعت في شوارع دمشق وو… ولن يقف الأمر عند هذا الحدّ، فإنك وكقارئ وكما تماهيت في المشاهد تتماهى في مشاعر شخصياتها التي رسمتها القاصّة بمهارة، وأجرت حوادثها بمهارة.، هي هكذا في مجموعتها القصصية هذه “عيناك قدري”، التي إنما مثلث واقع الحياة، منسوجاً ببراعة، لم تقف “غادة السمان” عند أعتاب الإبداع الأدبي، بل هي تغلغلت بعمق إلى دواخل شخصياتها وتدعها تحكي وتثرثر وتبين مواضع الألم، مواضع الأمل ومواضع الحزن والسعادة في كل نمط من أنماط شخصياتها، ضمن التوليفة الإجتماعية التي تكشف عن مواضع الخلل فيها”.

مناقشة الكتاب    تحميل الكتاب    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *