عنوان الكتاب: العلمانية من منظور مختلف – الدين والدنيا في منظار التاريخ ( مقتطفات )
المؤلف: عزيز العظمة
المترجم / المحقق: غير موجود
الناشر: غير موجود
الطبعة: غير موجود
عدد الصفحات: 31
حول الكتاب:
“عزيز العظمة من فئة قليلة ناجية من ضجيج الشعار ورتابة المعهود، في آن واحد. أما مبدأ النجاة فهو الجمع بين معرفة الباحث المدقق وبين مواجهة المسلمات. وعلى هذا الجمع، تحديدا، قام (( المنظور المختلف )) للعلمانية عنده. كان يعلم أنه يتناول موضوعا نسجه (( الحس المشترك ))، وأسكنه مقولات وأحكاما قديمة، عليه تفكيكها، وعليه ترويض التشنج فيها.وإذا كان ادعاء التأسيس ادعاء ساريا في الكثير من النصوص، شعارا وتكرارا، فإن كتاب (( العلمانية من منظور مختلف )) هو ، بدون ادعاء من صاحبه، نص مؤسس، حقا. قد يكون هذا موقف العلمانيين منه، ولكن أول المحتاجين إلى قراءته مرارا هم، تحديدا، من سكنهم عداء العلمانية. هم محتاجون إليه ، على الأقل، لتحويل العداء الجاهل إلى عداء عارف !الكتاب صارم البناء. وما هو منشور منه هنا ( فصلان من ستة ) يعلن عن توجهه وعن بعض نتائجه؛ ولكنه لا يشمل الجهد المبذول في تتبع السياقات التاريخية العالمية والعربية، المركبة والمعقدة، التي مرت بها العلمانية وتنوعت فيها. وهو تتبع صبور، موثق، جعل من التحليل والاستنتاج أكثر ما يكونان إقناعا. وبما أن المقام لا يتسع لغير الإفراط في الاختزال فاني أكتفي بالإشارة المقتضبة إلى بعض تضاريس (( المنظور المختلف )) : ليست العلمانية، من هذا المنظور، تلك التي تصول فيها وتجول ايدولوجيا النصوص أو نصوص الأيديولوجيا، بالمعنى العام للايديولوجيا. ليست تلك التي انبتت على استنساب رمزي لأصول متخيلة، وعلى سيرورات موهومة أو مرتجاة خارج التاريخ أو في تعال عنه. وهي، بالخصوص، ليست تلك التي انبتت على علاقة خيالية ، لا مرجعية تاريخية واقعية لها، بين الدين والدولة والمجتمع، سواء في الإسلام أو في المسيحية.العلمانية، هنا، واقع تاريخي، في تاريخ فعلي. وهذا الإدراج في التاريخ ربطها بتحولات مركبة، وعدد وجوهها المعرفية والمؤسسية والسياسية والأخلاقية، وبالتالي جعل فهمها أكثر تعقيدا مما يظن المتساهلون في الحديث عنها. وليس من شك في أن إدراج العلمانية في التاريخ الفعلي يدفع الكثير منا إلى إعادة النظر في رؤى ومسلمات سائدة، بدءا بالعلاقة بين الواقع والنصوص: لقد تبين من حال العلمانية أن (( الواقع هو ما يفرض المعاني على النص ))، إذ تنوعت العلمانيات، حسب السياقات، رغم وحدة النصوص، ورغم ما يسندها من تمثلات خيالية لتجانس تاريخي مزعوم. لقد توسعت علمنة المجتمع والدولة والسلوك والفكر، رغم كل النصوص والأحكام التي تطفو، معلقة، فوق الجميع. ومما يستنتج من هذه العلمنة أن الإيمان لم يحل دون ظهور العلمانية، وطبعا لم يحل دونها الفقهاء. للإسلام مؤسساته وكهنوته كغيره من الأديان، وليس التركيز على فرادته أو خصوصيته من هذه الناحية إلا لاستبعاد العلمانية، باعتبارها خارجة عن (( طبيعة)) مجتمعه.إن العداء للعلمانية في العالم العربي قائم، إذا، على تسميات لا تقابلها مسميات في واقع التاريخ الفعلي. إنه تعبير عن ” استقالة العقل التاريخي ”. أما ما يبقى موضوع حيرة فهو أن يتسرب هذا العداء إلى مثقفين ليبراليين، بل إلى بعض ممن يقال عنهم تقدميون. بعضهم يبحث عن الوسطية، ولكن التوفيقية أو التلفيفية لا تكفي لأنه ” ليس هناك مجال وسط بين العلمانية والعداء للعلمانية تقطن فيه الديمقراطية أو العقلانية، فهما لا ينفصلان عن أسس العلمانية “. المفارقة، إذا، أن يسكت عن العلمانية والعلمنة مدافعون عن الديمقراطية وعن العقل في العالم العربي. كتاب عزيز العظمة يساعد كثيرا على تجاوز هذه المفارقة المزمنة.“