تحميل كتاب خطوط النار – رواية pdf لـ فواز حداد

حول الكتاب
“كنت أعرف أن عدد أفراد عائلة أبو سعيد، ثلاث فتيات وطفل صغير، بينما كان الذين أمامي، يزيدون فتاة مصيبة!! لم أتبينهم بوضوح، ظهروا أمام الباب تلفهم الظلال الخفيفة، بدوا بوقفتهم هذه، متجاورين، متضامنين ومتكاتفين إزاء مصيبة حلّت بهم، تجمعهم صورة جماعية في مناسبة مفجعة؛ توقعت أن عيونهم كانت مخضلة بالدموع، ابتعدوا عن الباب، فيما كان الجنود يدخلون إلى البيت يحملون جثة المترجم إلى الصالة الواسعة، أنجزوا المهمة ومددوا أبا سعيد على الصوفا، وغادروا من دون إحداث ضجة، باذلين أقصى جهودهم كي لا يلمحهم أحد الجيران، طلب كيلي من الجنود أن ينتظروه في نهاية الشارع، على أن يلحق بهم بعد قليل.
الستائر المزركشة مسدلة على النوافذ، وشذى البخور عابق، الفتاة الأخرى تحمل بيدها فانوساً معدنياً أصفر اللون يصدر نوراً مرتعشاً أصغر كالحاً، فيما أختها الكبرى، ابتعدت عن المجال الباهت للنور، ممسكة بيديها بالبنتين الصغيرتين، أجلستها بعيداً عن كرسيين منخفضين، كانت نحيلة الجسم، يابسة العود، نظرت نحوي بثبات، أدركت هذا من تصلب وجهها بإتجاهي.

لم أرَ عينيها، كانت واقفة في القمة، ثم التفتت صوب جثة أبيها، كان أشبه بالنائم مرتاح البال، قد أغمض عينيه بوداعة وطمأنينة في مكان يضج بالأنفاس المضطربة والقلق، وكنت أكثر منهم إضطراباً وقلقاً، ثم ارتدّت تنظر إليّ، اقتربت مني، فظهرت في مجال الضوء الواهن، ملامحها تبدت على مهل وتجسمت بهدوء.

دهمتني رعدة شكّت أطرافي، لم يكن ما ظننته صحيحاً، لم تكن هي الأخت الكبرى… كانت ثمينة، عيناها لم تعودا تائهتين، ولا نظراتها شاردة، ولا على شك أن تنفجر، لم تتجنبني، واجهتني وكانت قوية، أقوى مني، سارعت أعيد ترتيب المنظر، لم تعد بثينة وحدها كان معها أخوها محمد، الصبي الذي يحمل الطفل الصغير.

كانت قد عرفتني منذ دخلت، أما أنا فتظاهرت بأنني لا أعرفها، سألته الفتاة بلغة إنكليزية سليمة، فتأكد أنها ابنته التي تكلم معها بالهاتف… هل يمنع دينكم أن أشار لكم السهر على الفقيد؟… الفتت نحو وسألته: “هل أنت مسيحي” لم أدر ما إذا كنت مسيحياً، أو لا، لكنني في تلك اللحظة شعرت أنني يجب أن أنتمي إلى دين. “نعم أنا مسيحي”، ولا شيء يمنع بقاءك معنا: “افتقدوا الأرض متحلقين حول الجثمان، وفتح كل منهم كتابه… هل تقرأون جميعكم من كتاب واحد؟.. “نعم… “القرآن الكريم”…” قعد مثلهم على الأرض وظهره إلى الحائط “سنقرأ على روحه آيات من الذكر الحكيم، ربنا سيغفر له رحمته تسع كل شيء؛ قالت بثينة هل ترغب بسماع ما نقرأ.. قال لها، بودي ذلك، فعلا الصبي بصوته… كان تنغيمه لما يقرأ من الروعة والجمال بحيث طاب لي التخيل أن روح أبي سعيد ترفرف فوقنا…

في ذلك الليل الطويل، أحسست أنه ما دام الظلام يسترني فبوسعي أن أبكي، لم أكن مثل أبي سعيد، هو أراد البكاء على بلده، أما أنا فشعرت بالخوف، وأردت البكاء على هذا العالم القاسي الذي نعيش فيه… ما أحسست به ليس تحت تأثير الحزن، بل تحت تأثير الشعور بالذنب، وهذا أسوأ ما يمكن أن يحدث لنا، أن تكون إعترافاتنا وتصرفاتنا ومشاعرنا، وما ننوي إصلاحه أو فعله تحت وطأ هذا الشعور فقط؛ لن أطلب الغفران مثل بيرنز، ولن أبرئ نفسي… أنا أقسى مما تتصور، ما دمت ماضياً في طريقي، فأنا بيرنز آخر بلا قلب”.

تدور أحداث هذه الرواية في العراق؛ ذلك البلد الذي إستباحه الغرب وإستباح دم أبنائه فجعله من دجلة نهراً لها، والراوي لهذه الأحداث هو كيلي… الطبيب النفسي الأميركي الذي كان في صفوف جيش التحالف خلال الإحتلال الأميركي للعراق… حيث كانت تلك الفترة محملة بالتفجيرات والإشتباكات المسلحة والخلافات المذهبية الدموية، ذلك حفز كيلي على سرد بعض ما لاقاه هناك من أهوال وصعوبات.

وأبزرها حادثة كان أحد أطرافها جرت معه في ظروف حالكة السواد، وزمناً كان سواداً كله: ويقول الكاتب بأن عمله الروائي هذا جاء بعد لقائه مصادفة في بهو أحد الفنادق حيث جلسا معاً وشيء ما دفعه إلى سرد هذه الأحداث التي كانت قد حصلت معه فعلاً.

فالراوي شخصية واقعية والأحداث كذلك… إنما كان عمل الروائي وضعها في هذا الإطار الروائي عله يوصل الرسالة التي من الممكن قراءتها خلف السطور.

مناقشة الكتاب    تحميل الكتاب    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *